الشيخ الرئيس : ابن سينا ولد ابن سينا في قرية "أفشانا" التابعة لمدينة " بخارى" عام 980 م من أسرة فقيرة والده إسماعيل بن عبد الله يعمل كما تذكر معظم المصادر في تحصيل الضرائب ، عرف عن ابن سينا فيما بعد إنه فلته من فلتات الطبيعة تحصل مرة كل ألف عام .
لم تذكر المصادر التاريخية أن ابن سينا تتلمذ على أيدي أطباء ، أو أنه تعلم المهنة في بيمارستانات ، رغم ذلك وصل إلى رتبة في الطب لا تزال ينظر إليها بكل إعجاب و تقدير ، و حتى اليوم لا تزال بعض وصفاته العلاجية تطبق . لقد نهل علومه من الكتب التراثية القديمة ، و من القرآن الكريم ، فقد كان نهماً للمعرفة و العلم ، و درس الفلسفة و الدين على أيدي كبار علماء عصره ، حتى أنه التحق بخدمة " نوح بن منصور ( الأمير الساماني) حاكم " بخارى" ، و لقد تعلم من مكتبة هذا الأمير الكثير ، حيث وجد ضمنها مؤلفات و مترجمات تفوق الحصر و العد ، و عمد إلى ترتيبها و تنسيقها ، كل صنف ضمن خزائن في غرفة منفصلة ، و فيها فهارس مبوبة لكل المصنفات حتى يسهل التعامل معها و تناولها ، و طبعاً أحرقت هذه المكتبة كغيرها من مكتبات المعرفة و الثقافة ( بغداد ، القاهرة ..) و من أحرقها كراهة بمحتواها الفلسفي و الفكري و العلمي المنوع هو " ابن سبكتكين " سلطان غزنة ، و لم يذكر ابن سينا ما قرأه من هذه المكتبة ،غير أنها كانت تحتوي على العديد مما كتب أو ترجم في عصره أو قبل ذلك العصر بعشرات السنين ، و لهذا نرى حجم الجريمة التي ارتكبها غزاة العلم و المعرفة ، لأن معظم محتوى تلك المكتبات قد فقد و إلى الأبد .
من الصعوبة بمكان إعطاء ابن سينا حقه و تقديره حق التقدير كمؤلف و كطبيب فذ أتى بالجديد و أضاف إلى الثقافة العلمية ثروة طبية و أدبية و فلسفية لا تقدر بثمن ، و لم يسبقه إليها أحد ، و دافعه وراء بحثه و إبداعاته رغبة ملحة من داخل نفسه و عقله تغريه بالبحث عن حقائق جديدة ، و تحفزه على الاستمرار بكل ثقة و جهد حتى وصل إلى ما وصل إليه فكان أعظم فيلسوف و أقدر طبيب في العالم الإسلامي خلال نهاية القرن العاشر و حتى منتصف القرن الحادي عشر .
لقد عاش الشيخ الرئيس حياة صالحة ألف فيها تسعين كتاباً ، و قد قيل خمسة و أربعين على بعض الروايات ، و قد تولى الوزارة مرتين ، و سجن مرة ، و هرب من الموت و التعذيب مرات عديدة ، و قد مات في همدان عام 1037م .
لقد كان ابن سينا ذا نفس تواقة للعلم و المعرفة ، و ذا ميول فلسفية عجيبة مما جعل له القدح المعلى في نشر المعارف و النظريات العقلية ، و رفع صورة الإنسان الجديد الذي شكله في عقله فوق حطام الإنسان القديم ، و كان الأفق الفلسفي الإسلامي جديراً بأن يتسع نجمه و يقدره حق قدره ، و يعترف بخدماته الشخصية الفريدة كفيلسوف و طبيب يهتم بمداواة المرضى ، و بتعليم العلوم الطبيعية ، و لا ننسى انه كان شاعراً عظيماً وصل إلينا أهم قصائده ، و هي " النفس" التي وضع ضمن أبياتها مجمل قناعاته الفلسفية و الدينية ، و هو يقول في مطلعها :
هبطت إليك من المحل الأرفع ورقــاء ذات تعــزز و تمنـــع
محجوبة عن مقلة كل عارف وهي التي سفرت و لم تتبرقع
غالب المير غالب