سلمية وردة من التاريخ
سلمية مدينة تاريخية قديمة ، جاثمة على مدخل البادية السورية ، نهضت من رقادها في السنوات الأخيرة و خطت خطوات سريعة نحو التقدم و الازدهار ، و امتازت عن بقية المدن المجاورة لها بالروح التعاونية المسيطرة على سكانها ، و قد كانت منذ القدم محطة لتموين القوافل و الجيوش الزاحفة من مختلف البلدان و في كل العصور ،و لقد ساعد موقعها الجغرافي و وفرة مياهها السطحية على ازدهارها و تقدمها في فترات كثيرة ، و أصبحت محط أنظار الفاتحين في العصور القديمة و الحديثة لكثرة مروجها الخضراء و وفرة مراعيها و طيب مناخها . اختلفت آراء المؤرخين حول تسميتها بهذا الاسم ، باعتبار سلمية تحوي على آثار و نقوش تدل على قدم هذه المدينة و أهميتها الإستراتيجية ، عرفت منذ عهد السومريون في الألف الثالث قبل الميلاد و من قبل الأموريين في الألف الثاني قبل الميلاد ،و في بداية الألف الثاني قبل الميلاد خضعت لمملكة " قطنة"( المشرفة) و اجتيحت خلال الفترة بين عام 2000 ــ 1600 ق.م . من قبل الحثيين ، و في عام 1500 ق.م خضعت لسلطة الهكسوس ، ثم سكنها الآشوريون ، و عرفت باسم ( سلمياس ) في العهدين الروماني و اليوناني تخليداً لمعركة (سلمياس)عام 480 ق.م .ازدهرت في العهد الروماني حيث حفرت فيها الأقنية الكثيرة لتروي مساحات واسعة من الأراضي الخصبة ، و في العهد البيزنطي كانت سلمية مقر أبرشية مسيحية. قال عنها ياقوت الحموي :إن أصل أسمها مشتق من كلمة ( سلم مائة ) نسبة للمئة رجل الذين نجوا من خراب المؤتفكة ، فنزحوا إلى سلمية و عمروها و سكنوها و تحرفت الكلمة على مر الزمان و انقلبت إلى سلمية. كانت سلمية خراباً خلال القرن الأول الهجري و في أواخر عهد البيزنطيين ، حتى جاءها عبد الله بن صالح بن علي و والده و بنوا الأبنية فيها ، و أجروا إليها الأقنية و زرعوها و يقول الطبري : أن الذي عمرها هو عبد الله بن صالح بن علي ، و كان هذا محباً للبناء و العمران ، و زاره الخليفة العباسي ( المهدي ) عام / 163هجري / و أعجب بما شاهده في سلمية . و قال عنها ( أبو الفداء ) : إنها كانت مأهولة بالنصارى ثم دمرتها الحروب في العهد العباسي ، و لم يبق منها سوى أنقاض و آثر لدير على رأس رابية في الجهة الشمالية ( الخضر) و كانت هذه المدينة على قسط عظيم من الرقي و الازدهار ، لما كان يكتنفها من العمران و المدنية ، كما كانت حلقة اتصال بين المدن الساحلية السورية و مدينة بغداد .
تمكن أنوشتكين الدزبري قائد الخليفة الفاطمي " الظاهر" من القضاء على " نصر بن صالح المرداسي" بالتعاون مع الكلبيين ، و كانت الموقعة في تل غربي سلمية . من كتاب/ موقف أمراء العرب. تأليف د: أمينة بيطار . قال عنها ابن حوقل: سلمية الغالب على سكانها بنو هاشم و هي على أطراف البادية الخصبة.
و قال العزيزي : مدينة سلمية على ضفة البرية، كثيرة المياه و الشجر رخية خصبة . ازداد ازدهار سلمية حين أصبحت مركزاً للدعوة الفاطمية، حيث دب فيها النشاط العلمي، بعد أن صارت قلعة لكبار فلاسفة الدعوة و قادتها ، و قاعدة إشعاع فكري للأئمة المستورين. و كان أول إمام قدم إليها ( الإمام الوفي أحمد ) على هيئة تاجر ، و بنى فيها دوراً كثيرة لأهله ودعاته و أتباعه و كانت الأموال تحمل إليه( و إلى الأئمة الذين توالوا من بعده ) على جمال فتدخل سلمية بواسطة سرداب بابه الأول خارج المدينه و بابه الثاني داخل دار الإمام ، تنزل أحمالها ثم تعود من حيث جاءت بدون أن يدري بها احد – سيرة جعفر الحاجب- . لقد أنجبت سلمية ( إخوان الصفا ) و منها انطلقت دعوة الإمام المهدي لتأسيس الدولة الفاطمية في المغرب . و ظلت تنموا و تتوسع حتى هدمها القرامطة بعد أن قتلوا أهلها سنة 290 هجرية بعيد مغادرة الإمام المهدي لها في طريقه للمغرب مع عائلته و دعاته .ثم استوطنت من قبل الأعراب ، و غزاها سيف الدولة عام 344هجرية قاصداً تأديب الإعراب الذين تمردوا عليه و انتصر عليهم في المعركة التي جرت في مروج سلمية . و يذكر التاريخ أنها أصبحت سنة 476هجرية من أعمال الأمير خلف بن ملاعب الكلابي صاحب حمص ، حتى جاء ( تتش ) أخو السلطان ملك شاه السلجوقي فاستولى عليها ، و في سنة 532هجرية اتخذها عماد الدين الزنكي قاعدة لجيوشه أثناء مقاتلته الروم في شيزر ، و في سنة 570 هجرية استولى عليها صلاح الدين الأيوبي ثم أعطاها إلى أبن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر ، و ازدهرت في عهد الأيوبيين الذين رمموا حمامها القديم ، كما رمم قلعة (شميميس ) شيركوه الأيوبي.
و في عهد التتار أصبحت سلمية ممراً لجيوشهم و مركزاً لتموين قواتهم ، و عندما انتصر عليهم الملك المظفر "قطز" في معركة ( عين جالوت) ، أعطى سلمية للأمير مهنا آل الفضل من ربيعة مكافئة له على مساعدته للملك أثناء قتاله مع التتر ، و بقيت في يده و يد ابنه عيسى و حفيده مهنا و أعقابه من بعده ، و تراجعت سلمية في عهدهم كثيراً حتى باتت أطلال مبانٍ و سواقٍ حولها لا غير ، و قد تهدمت بيوتها و كثير من القصور الأثرية القديمة الموجودة فيها . و لما اجتاحت جيوش تيمورلنك بلاد الشام سنة 803هجرية و هو في طريقه من حلب إلى دمشق دمرت سلمية و أصبحت خراباً ، و ظلت كذلك مدة خمسة قرون ينزلها بدو البادية من آل عيسى ، الذين تبدل اسمهم في القرن التاسع و عرفوا بآل جبار ، و الأعراب الذين يلتفون حولهم سموا بالموالي ، و قد منحتها لهم الدولة العثمانية لقاء ضريبة يدفعونها لها .
غالب المير غالب
المصادر و المراجع:
-: تاريخ الدعوة الإسماعيلية د / مصطفى غالب
-: جولة أثرية وصفي ذكريا
-: عشائر الشام وصفي ذكريا
-: السيرة جعفر الحاجب
-: موقف أمراء العرب أمينة بيطار
[