أقدام تسير على السطح.. "الباسطية" سوق تحت الإسفلت
"سلمية" مدينة المتاهات والسراديب
محمد القصير
الأربعاء 04 آذار 2009
«إذا أردت أن تبني مدينة فافتح طريقاً للمواصلات، وإذا أردت أن تنمي مدينة راكدة فافتحها للسياح».
هذا ما قاله الأستاذ "حسن القطريب" لموقع eSyria الذي توجه إليه بالسؤال يوم الاثنين 23/2/2009، عن سوق يحكى أنه يقبع تحت أقدامنا، وهو الدارس والباحث في الشأن الأثري، كما أنه مجاز في الجغرافيا قال: «ما تسأل عنه هو سوق "الباسطية" وهو بالفعل يقبع تحت أقدام المارة، وهو الذي كان سوقاً تجارياً في حاضرة "سلمية"».
عن موقعه يحدده الأستاذ "حسن" إذ أشار إلى المكان فقال: «الباسطية بناء أثري في قلب مدينة "سلمية" القديمة، وتقع تحت شارع الثورة، وتقاطعه مع الشارع المتجه جنوباً إلى (المركز الصحي)، ويعلوها الإسفلت».
وعن مواصفات هذا السوق يقول: «يأتي مدخل الباسطية على شكل مستطيل طوله/4م/ وعرضه/3م/ وعلى عمق/150 سم/ وارتفاعه من الداخل/5م/ والسقف على شكل قبة، ويدخل إلى هذا البناء عن طريق سرداب عرضه/1م/ وارتفاعه/150 سم/ وبداية السرداب تبعد مسافة قصيرة من الجهة الجنوبية للباسطية، ويتخذ السرداب طريقاً آخر إذ يتجه شرقاً لمسافة تبلغ/3م/ شمالاً ثم غرباً/150 سم/ ليشكل حرف لام مقلوب أي كالصندوق المفتوح، وفي أعلى باب الدخول، أي في نهاية السرداب مكان مخفي تقريباً يتسع لرجل يراقب القادم الداخل، والذي يكون مشغولاً بالنظر أمامه وإلى أسفل ليرى الدرجات تحت أقدامه وبذلك لا ينتبه إلى الأعلى».
يتابع الأستاذ "حسن" قائلاً: «بعد الدخول إلى البناء نجد في وسط الجدار الجنوبي (محراباً) كما وتتوزع تيجان وأعمدة مختلفة العمر والطراز،
|
الأستاذ "حسن علي القطريب" |
أما في شمال البناء توجد قناة مياه عذبة تتجه من الشرق إلى الغرب وتنفتح على السطح ببئر عادي».
وعن الوظيفة التي كان يؤديها هذا المكان، يقول: «إن وظيفة هذا البناء المخبأ بالرغم من أنه مسجد، فالمحراب الذي دل على الهوية الإسلامية يدل على شيء آخر وهو أن الصلاة التي كانت تقام، هي صلاة جماعة لها إمام يقتدي به مصل واحد على الأقل، أما قناة المياه المتصلة بالبئر كان لها وظائف عديدة، أهمها تأمين مياه الشرب، ومتطلبات النظافة».
وعن البئر الموجود في السوق المذكور يقول: «لا شك أن ضرورة الناس لهذا البئر أمر في غاية الضرورة، فهو يقوم بتهوية المكان، وتقديم الطعام للمقيمين، إضافة إلى إيصال المعلومات الضرورية، وتلقي التعليمات من المتخفي أو المتخفين، كذلك وسيلة للإنذار العاجل وإعلام المختبئين كي يتمكنوا من النجاة».
ويتابع الأستاذ "حسن القطريب" قائلاً: «هناك سردابان؛ واحد من الجهة الجنوبية الشرقية، وآخر من الجهة الجنوبية الغربية، وهما قريبان من المسجد المذكور، ولكن المهم هو عدد السراديب، لأن لا بداية ولا نهاية لها، ويذكر بعض المؤرخين أن "إخوان الصفا" كانوا مقيمين في "سلمية"، وأنهم كتبوا ما كتبوا في زمن الإمام "وفي أحمد" وكان هو أحدهم، وإذا كان المختبئ واحد، فهذا يعني أن الأتباع كانوا يأتون إليه عبر الشبكة العجيبة من السراديب السرية للاجتماع به وتلقي التعليمات، وإقامة
|
الباسطية تحت الإسفلت |
صلاة الجماعة».
ويتابع قائلاً: «هناك من يقول أن هذا البناء هو صومعة لأحد المتعبدين (الصوفيين) لكن وجود المحراب ينفي الصفة التقشفية التنسكيّة للعبادة والصلاة حسب الطريقة الصوفية».
وعن ميزة هذا البناء الفريد من نوعه يقول الأستاذ "حسن": «تأتي فرادته من أن لا مئذنة له، وكان أوائل القادمين إلى "سلمية" في بداية إعمارها الحديث، كانوا يصلون في هذا المسجد حسب عقيدتهم، وخوفاً من ملاحقة الأتراك العثمانيين لهم».
وعن معاناة المصلين يقول: «هناك حادثة شهيرة ذكرها من عاشها، وورثها لأولاده، والحادثة تقول أن الأتراك في مرة صبّوا (لبناً مغلياً) على المصلين من خلال السرداب، ما أدى لوفاة واحد، وتسبب بالحروق للبقية».
وعن خطورة ما يحدث في بعض الأماكن الأخرى ينبّه الأستاذ "حسن القطريب" بقوله: «هناك مواقع أثرية أخرى تكتم أصحابها عنها، ولم يخبروا أحداً بها بل لقد سمح لهم (قانونياً ـ ترخيص من البلدية) فأزيلت، وبني فوقها، فضاعت معالمها، وغمرت (طمست) بالإسمنت، وأصبح من غير الممكن الكشف عنها».
في النهاية كثير من أهالي "سلمية" يعلمون أنهم يسيرون على منجم من الآثار، والبعض منهم لا يعرف، ولكن ما يهم في الأمر، أن هناك ثروة ندوسها بأقدامنا، فمدينة كـ "سلمية" ينقصها الكثير من المشاريع التي تنقذ الكثير من الشباب.
نأتي إلى المقولة التي ختم بها الأستاذ "حسن القطريب" حيث قال: «تستطيع
|
تحت هذا الطريق يقبع تاريخ طويل |
أن تقول أن السياحة في "سلمية" مركونة على أحد الرفوف المنسية، على الرغم أن تلك المدينة زاخرة بالمعالم التاريخية والأثرية التي تدل على عراقتها وأثرها في مراحل مهمة من تاريخ المنطقة، وهي كصناعة متعددة النشاطات والفعاليات تحتاج لتفعيل حقيقي لدورها في حياة أبنائها، لعلهم يجدون ما لم تسعفهم به زراعة أو صناعة أو تجارة». فهل تنهض "سلمية" من تحت رماد ركودها لتكون مدينة سياحية تمتلك كل مقومات هذه الصناعة الهامة والحيوية، والذي يدل على عراقتها، وعراقة سورية.